فصل: ذِكْرُ الْبِئْرِ يَكُونُ إِلَى جَنْبِهَا بَالُوعَةٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ الْبِئْرِ تَقَعُ فِيهَا النَّجَاسَةُ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْبِئْرِ تَحِلُّ فِيهَا النَّجَاسَةُ فَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أَمَرَ بِنَزْحِهَا حَتَّى يَغْلِبَهُمْ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ.
191- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا حَجَّاجٌ، ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مَيْسَرَةَ، أَنَّ عَلِيًّا، قَالَ فِي بِئْرٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَارَةٌ فَمَاتَتْ: يِنْزَحُ مَاءَهَا.
192- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مَيْسَرَةَ وَأَصْحَابِ عَلِيٍّ، قَالُوا: قَالَ عَلِيٌّ: إِذَا وَقَعَتِ الْفَارَةُ فِي الْبِئْرِ فَمَاتَتْ، فَانْتَزِحُوهَا حَتَّى تَغْلِبَكُمْ.
193- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، ثنا أَبُو عُبَيْدٍ، ثنا هُشَيْمٌ، ثنا مَنْصُورٌ بن زَاذَانُ عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّ زِنْجِيًّا مَاتَ فِي زَمْزَمَ فَأَمَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَنْ يُنْزَحَ مِنْهَا حَتَّى يَغْلِبَهُمُ الْمَاءُ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي الْإِنْسَانِ يَمُوتُ فِي الْبِئْرِ: يُنْزَحُ كُلُّهَا. وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ، وَعَلَيْهِ أَهْلُ الرَّأْيِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ يَرَوْنَ نَزْحَهَا، وَإِنْ أُخْرِجَ مِنْ سَاعَتِهِ،.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ، رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ فِي الْجِرْوِ قَالَ: يَنْزِحُونَ مِنْهَا عِشْرِينَ دَلْوًا، وَإِنْ تَفَسَّخَتْ نَزَحُوا مِنْهَا أَرْبَعِينَ دَلْوًا.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ يُسْتَقَى مِنْهَا أَرْبَعُونَ دَلْوًا أَوْ نَحْوُهُ، هَكَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ فِي الْفَارَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ، وَرُوِّينَا عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّجَاجَةِ تَمُوتُ فِي الْبِئْرِ: يُسْتَقَى مِنْهَا سَبْعُونَ دَلْوًا. وَقَدْ رُوِّينَا عَمَّنْ بَعْدَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالًا مُخْتَلِفَةً، سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ مَاءٍ مَعِينٍ وُجِدَ فِيهِ مَيْتَةٌ لَمْ يَتَغَيَّرِ الْمَاءُ، قَالَ: يُنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءِ وَلَا يُوَقِّتُ مَا يُنْزَحُ مِنْهُ وَإِنْ غَيَّرَ رِيحُ الْمَاءِ، أَوْ طَعْمُهُ، فلابد مِنْ نَزْحِهِ حَتَّى يَصْفُوَ، وَلَا يُوَقِّتُ أَبُو عَمْرٍو مَا يُنْزَحُ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: فِيهَا إِذَا غُيِّرَ رِيحُ الْمَاءِ، أَوْ طَعْمُهُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ فِي بَغْلٍ رَاثَ فِي بِئْرٍ، قَالَ: يُنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءٌ حَتَّى يَطِيبَ قِيلَ لَهُ فَمَا صَلُّوا؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَجْزِيَهُمْ. وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي الْعُصْفُورِ وَالْفَارَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ فَتَخْرُجُ حِينَ مَاتَتْ، قَالَ: يُسْتَقَى مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا أَوْ ثَلَاثُونَ دَلْوًا، فَإِنْ كَانَتْ دَجَاجَةً أَوْ سِنَّوْرًا فَاسْتُخْرِجَتْ حِينَ مَاتَتْ فَأَرْبَعُونَ دَلْوًا، أَوْ خَمْسُونَ دَلْوًا، وَإِنْ كَانَتْ شَاةً فَانْزَحْهَا حَتَّى يَغْلِبَكَ الْمَاءُ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَدِ انْتَفَخَ أَوْ تَفَسَّخَ فَانْزَحْهَا. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي الْوَزَغِ يَقَعُ فِي الْبِئْرِ قَالَ: يُسْتَقَى مِنْهَا أَدْلَاءٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَمَّا فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ قَالَ بِالْقُلَّتَيْنِ، فَالْمَاءُ السَّاقِطَةُ فِيهِ الْفَارَةُ الْمَيْتَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ النَّجَاسَاتِ فِي بِئْرٍ كَانَ ذَلِكَ أَوْ غَيْرُهُ، إِذْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَلَيْسَ يُنَجِّسُ ذَلِكَ الْمَاءَ إِلَّا أَنْ تُغَيِّرَ النَّجَاسَةُ طَعْمَ الْمَاءِ، أَوْ لَوْنَهُ، أَوْ رِيحَهُ، إِلَّا أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ كَانَ يَسْتَثْنِي الْبَوْلَ وَالْعَذِرَةَ الرَّطْبَةَ، قِيلَ: لِأَحْمَدَ فِي الدَّابَّةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ، قَالَ: كُلُّ شَيْءِ لَا يُغَيِّرُ رِيحَهُ، وَلَا طَعْمَهُ، فَلَا بَأْسَ بِهِ إِلَّا الْبَوْلَ وَالْعَذِرَةَ الرَّطْبَةَ، قَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ: وَالْبَوْلُ وَالْعَذِرَةُ لَا يَنْجَسَانِ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْمَاءِ أَقَلَّ مِنَ الْقُلَّتَيْنِ. فَأَمَّا مَذْهَبُ مَنْ يَرَى أَنَّ قَلِيلَ الْمَاءِ وَكَثِيرَهُ لَا يَنْجُسُ بِحُلُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ، أَوْ رِيحُهُ، أَوْ لَوْنُهُ، فَالْبِئْرُ وَغَيْرُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَالَّذِي نَقُولُ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ أَبْوَابِ الْمَاءِ أَنَّ قَلِيلَ الْمَاءِ وَكَثِيرَهُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ فِي نَهَرٍ كَانَ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ سَقَطَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ إِلَّا أَنْ يُغَيِّرَ لِلْمَاءِ طَعْمًا، أَوْ لَوْنًا، أَوْ رِيحًا، وَقَدْ ذَكَرْتُ الْحُجَّةَ فِيهِ فِي بَابِ ذِكْرِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ يُخَالِطُهُ النَّجَاسَةُ.

.ذِكْرُ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ النَّجِسِ لَا يَعْلَمُ بِهِ الْمُصَلِّي إِلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَتَطَهَّرُ بِمَاءٍ نَجَسٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ وَيُصَلِّي، ثُمَّ يَعْلَمُ بِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُعِيدُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ إِذَا مَضَى الْوَقْتُ. هَذَا قَوْلُ مَالِكِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ، وَحَكَى عَنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا تَغَيَّرَتْ فِي الْبِئْرِ، وَتَفَسَّخَتْ يَعْنِي الدَّابَّةَ الَّتِي تُنَجِّسُ الْبِئْرَ، فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلُّوهَا بِذَلِكَ الْمَاءِ، وَيَغْسِلُونَ الثِّيَابَ الَّتِي أَصَابَهَا.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ، وَبَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَايُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَوَضَّأَ بِمَاءٍ وَقَعَ فِيهِ بَوْلٌ أَوْ نَجَاسَةٌ مَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ وَصَلَّى، وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَوَاتِ كُلَّهَا إِذَا كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ مِنْ بَعْدِ أَنْ حَلَّتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ، فَإِنْ هُوَ تَوَضَّأَ مِنْ مَاءِ بِئْرٍ وَصَلَّى، ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا فَارَةً أَوْ دَجَاجَةً مَيْتَةً، قَدِ انْتَفَخَتْ أَوْ تَفَسَّخَتْ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى وَقَعَتْ فِيهَا، فَإِنَّ النُّعْمَانَ قَالَ: عَلَى مَنْ تَوَضَّأَ مِنْ تِلْكَ الْبِئْرِ وَصَلَّى أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَيُعِيدَ صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، وَإِذَا كَانَ قَدْ غَسَلَ بِذَلِكَ الْمَاءِ ثَوْبًا أُعِيدَ يُغْسَلُ بِمَاءٍ نَظِيفٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ الثَّوْبُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ، وَصَلَّى فِيهِ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ مَا صَلَّى، فَإِنْ وَجَدَ الدَّجَاجَةَ أَوِ الْفَارَةَ لَمْ تَتَفَسَّخْ أَوْ لَمْ تَنْتَفِخْ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَتَى وَقَعَتْ فِيهَا، فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَيُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَهَذَا قَوْلُ النُّعْمَانِ وَزُفَرَ. وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ: وُضُوءُهُ وَصَلَاتُهُ جَائِزٌ ثَابِتٌ عَنْهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ شَيْئًا مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَلَا بَأْسَ بِالْعَجِينِ الَّذِي خُبِزَ بِذَلِكَ الْمَاءِ أَنْ تَأْكُلَهُ، وَلَا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ بَعْدَ وُقُوعِ الْفَارَةِ الْمَيْتَةِ فِي الْبِئْرِ؛ لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ صَبِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ أَلْقَاهَا فِي الْبِئْرِ مِنْ بَعْدِ أَنْ تَوَضَّأَ مِنْهَا هَذَا الرَّجُلُ، وَهِيَ مُتَغَيِّرَةٌ. وَحَكَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَصَابَهُ دَمٌ فَلَمْ يَدْرِ مَتَى أَصَابَهُ، فَإِنَّهُ يُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ سُفْيَانَ يَتَحَرَّى، وَالتَّحَرِّي أَنْ يَشُكَّ فِي يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَيَأْخُذُ بِيَوْمَيْنِ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدٍ يَقُولُ: الْحَدُّ عِنْدَنَا إِذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا يَزِيدُ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ غَلَبَتْ نَجَاسَةٌ بِطَعْمٍ أَوْ رِيحٍ، فَعَلَيْهِمْ إِعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلُّوهَا مُنْذُ يَوْمَئِذٍ، وَكَذَلِكَ يَغْسِلُونَ كُلَّ ثَوْبٍ أَصَابَهُ مِنْهُ شَيْءٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالَّذِي نَقُولُ بِهِ أَنَّنَا نَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ الْمُتَوَضِّئُ وَصَلَّى فَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ غَيَّرَتْ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ، فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ، وَبَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَغَسْلُ كُلِّ ثَوْبٍ وَبَدَنٍ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ شَيْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ النَّجَاسَةُ غَيَّرَتْ لِلْمَاءِ طَعْمًا، وَلَا لَوْنًا، وَلَا رِيحًا، فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَكَّ، فَلَمْ يَدْرِ هَلْ غَيَّرَتِ الْمَاءَ أَمْ لَا؟ فَالْمَاءُ عَلَى أَصْلِ طَهَارَتِهِ.

.ذِكْرُ الْعَجِينِ الَّذِي عُجِنَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ:

وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَاءِ النَّجِسِ يُعْجَنُ بِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُطْعِمُهُ الدَّجَاجَ، رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَفِي قَوْلٍ ثَانٍ، وَهُوَ أَنْ يُطْعِمَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. هَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُطْعِمهُ شَيْئًا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَيُشْرَبُ لَبَنُهُ. وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يُطْعِمُهُ الْبَهَائِمَ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا أَيْقَنَ أَنَّهُ عُجِنَ بِمَاءٍ مُتَغَيِّرٍ مِنْ نَجَاسَةٍ حَلَّتْ فِيهِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ، وَلَا يُطْعِمُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ شُحُومِ الْمَيْتَةِ أَيُدْهَنُ بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَنْتَفِعُ بِهَا النَّاسُ، قَالَ: «لَا، هِيَ حَرَامٌ».
194- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ». فَقِيلَ: يَا رَسُول اللهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ قَالَ: «لَا، هُوَ حَرَامٌ». ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ لَمَّا حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ شُحُومُهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهَ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِذَا حَرَّمَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِانْتِفَاعَ بِالشَّيْءِ النَّجَسَ حُرِّمَ الِانْتِفَاعُ بِكُلِّ نَجَسٍ، وَذَلِكَ مَعْنَى السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا، وَلَا الْعُدُولُ عَنْهَا.

.ذِكْرُ الْإِنَاءَيْنِ يَسْقُطُ فِي أَحَدِهِمَا نَجَاسَةٌ:

ثُمَّ يُشْكِلُ ذَلِكَ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْإِنَاءَيْنِ يَسْقُطُ فِي أَحَدِهِمَا نَجَاسَةٌ، ثُمَّ يُشْكِلُ ذَلِكَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَتَوَضَّأُ بِالْأَغْلَبِ مِنْهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ فِي الْبَوْلِ يَقَعُ فِي إِحْدَى جَرَّتَيْنِ: لَا يَتَوَضَّأُ بِوَاحِدَةٍ. هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ يَتَيَمَّمُ: وَكَانَ الْمُزَنِيُّ يَقُولُ لَا يَتَوَضَّأُ بِأَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ. قَالَ: وَلَوْ جَازَ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِأَحَدِهِمَا لَجَازَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ وَلَجَازَ أَنْ يَأْكُلَ بِالتَّحَرِّي أَحَدُ بَضْعَتَيْنِ طُبِخَتْ إِحْدَاهُمَا بِنَجَسٍ، وَالْأُخْرَى بِمَاءٍ طَاهِرٍ، وَيَطَأُ إِحْدَى امْرَأَتَيْنِ مُطْلَقَةً وَغَيْرَ مُطْلَقَةٍ، وَيَبِيعُ أَحَدَ غُلَامَيْنِ مُعْتَقٌ وَعَبْدٌ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ الْمَاجِشُونُ قَالَ: يَتَوَضَّأُ بِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ يُصَلِّي، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِالْآخَرِ ثُمَّ يُصَلِّي، وَهَكَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: يَغْسِلُ بِالَّذِي يَلِي الْأَوَّلَ مَا أَصَابَهُ مِنَ الْأَوَّلِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ وَاحِدٌ مِنَ الْإِنَاءَيْنِ تَطَهَّرَ بِهِمَا، وَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ هَذَا مَذْهَبُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى الْقَطَّانِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ فِي النَّظَرِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

.ذِكْرُ مَا لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ مِنَ الْهَوَامِّ:

وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ ثَابِتٌ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلُّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ».
195- حَدَّثَنَا عَلَّانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أنا مُحَمَّدٌ، وَسُلَيْمَانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا عُتْبَةُ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ سُمًّا وَبِالْآخَرِ شِفَاءٌ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَجَاءَتْ أَخْبَارٌ عَنِ الْأَوَائِلِ مُوَافِقَةٌ لِهَذِهِ السُّنَّةِ. وَقَالَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ الْمَاءَ لَا يَفْسُدُ بِمَوْتِ الذُّبَابِ وَالْخُنْفِسَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِيهِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَرُوِي مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ عَنِ النَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا أَعْلَمُ الْعُلَمَاءَ تَوَسَّعَتْ فِي هَذِهِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ إِلَّا وَأَنَّ هَذِهِ لَا تَرَوَّحُ فِي مَوْتِهَا وَلَا تُنْتِنَ كَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَا دَمَ لَهَا فَاسْتَوَتْ حَيَاتُهَا وَمَوْتُهَا وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ نَحْوِهَا كَالْجَنَادِبِ وَالصَّرَاصِرِ وَالْعَنَاكِبِ وَالْعَقَارِبِ وَجَمِيعِ هَوَامِّ الْأَرْضِ عِنْدِي مِثْلُ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ غَيْرَ مَا ذَكَرْتُ إِلَّا الشَّافِعِيَّ فَإِنَّ الرَّبِيعَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ قَالَ فِيهَا قَوْلَانِ، هَذَا الَّذِي حَكَيْتُهُ عَنْ جُمَلِ النَّاسِ أَحَدُهُمَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَنْجُسُ الْمَاءُ بِمَوْتِهِ فِيهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْقَوْلُ الَّذِي يُوَافِقُ السُّنَّةَ وَقَوْلُ سَائِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْلَى بِهِ.

.ذِكْرُ مَوْتِ الدَّوَابِّ الَّتِي مَسَاكِنُهَا الْمَاءُ فِيهِ:

مِثْلُ السَّمَكِ وَالسَّرَطَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السَّمَكِ وَالضِّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَمُوتُ فِي الْمَاءِ، فَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى ذَلِكَ يُفْسِدُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحُوتِ وَالْجَرَادِ يَمُوتُ فِي الْمَاءِ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يُنَجِّسُهُ. وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي الضِّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ يَمُوتُ فِي الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ قَالَ النُّعْمَانُ فِيهِمَا وَفِي السَّمَكِ يَمُوتُ فِي الْمَاءِ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ فِي الضِّفْدَعِ يَمُوتُ فِي مَاءِ الْبِئْرِ: يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ. وَقَالَ يَعْقُوبُ فِي الضِّفْدَعِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: إِذَا مَاتَ فِي الْبِئْرِ نَجَّسَهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الطُّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» فَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ يَأْتِي عَلَى كُلِّ مَا مَاتَ فِي الْبَحْرِ مِنْ دَوَابٍّ الَّتِي تَكُونُ فِيهِ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي الدَّابَّةِ الَّتِي وُجِدَتْ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مَيْتَةً فَأَكَلَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهَا شَيْءٌ؟» قَالَ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دَوَابَّ الْبَحْرِ كُلَّهَا حِلٌّ مِنَ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ.

.ذِكْرُ الْبِئْرِ يَكُونُ إِلَى جَنْبِهَا بَالُوعَةٌ:

ثَابِتٌ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»، فَإِذَا كَانَ الْبِئْرُ بِجَنْبِهَا الْبَالُوعَةُ قَرِيبَةٌ كَانَتْ مِنْهَا أَوْ بَعِيدَةً لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ الْبِئْرَ إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ الْمَاءُ بِطَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ مِنْ نَجَاسَةٍ حَلَّتْ فِيهَا فَإِنْ تَغَيَّرَ مَاءُ الْبِئْرِ بِبَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ فَسَدَ وَإِلَّا فَالْمَاءُ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَرُوِي ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ النُّعْمَانِ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ فَلَا بَأْسَ بِمَائِهَا إِذْ لَا حُجَّةَ مَعَهُ تَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ، قِيلَ لِلنُّعْمَانِ: فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَهِيَ تُؤْذِي فَتَرَكَ الذَّرْعَ وَقَالَ: إِذَا كَانَتْ تُؤْذِي فَإِنِّي أَكْرَهُهُ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: الْأَرْضُونَ تَخْتَلِفُ، تَكُونُ الْأَرْضُ غِلَاظًا وَالْأُخْرَى رِقَاقًا، فَإِنْ تَخَوَّفَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا مِنْهَا شَيْءٌ فَلَا يَتَوَضَّأُ مِنْهَا، فَقِيلَ: فَإِنْ كَانَتْ لَهَا رَائِحَةٌ وَالْمَاءُ تَغَيَّرَ قَالَ: لَا يَتَوَضَّأُ مِنْهَا.